التقانات الحيوية واستخداماتها في الزراعة

  في خضم التطورات و الانجازات العلمية المتسارعة وعلى كافة الاصعدة، منها الصعيد الزراعي و الذي يشكل الرافـد الحيوي للحيـاة الانسانيـة اصبح لزاماً علينا جميعا متابعـة و رصد هذه الانجازات للتعرف عليها والاستفادة منها لخدمـة البشرية وبالتالي توفير الغذاء للاعداد المتزايدة من السكان لذا من الواجـب علينـا كاخصائيين عاملين ومطلعين على هذه الانجـازات ان نطلع قرائنا الكرام على اخر التطورات في هذا المجال لكي لا يكونوا بعيدين عما يجري في هذا العالم من انجازات هي في الغالب لخدمتهم و تحسين حياتهم خاصة في مجـال الغذاء و الدواء . وبناء على ذلك ارتأيت ان اقدم سلسلة من المقـالات المتعلقة بموضـوع التقانات الحيوية واستخداماتها في الزراعة كمساهمة متواضعة في تعريف القارئ الكريم على هذا العلم الهام و الحيوي.

 

المقال الاول ضمن هذه السلسة المتتالية سيكون بعنوان:

"الهندسة الوراثية كاحد الطرق الحديثة في تربية وتحسين النبات و الحيوان"

 

ما هي الهندسة الوراثية و لماذا:

  هو نقل جين او مجموعة  من الجينات من احد الكائنات الحية الى اخرى. و الجين هو وحده التوريث الذي يشغل موقعاً معيناً على الصبغة او الكروموسـوم و الذي يحدد ان يكون مسؤولا عن صفة معينة في النبات و الحيوان و سائر الكائنات الحية الاخرى.واصبح من الممكن لعلماء النبات و الحيوان من تحديد و نقل الجينات المسؤولة عن الصفات الجيدة في سبيل انتاج نباتات وحيوانات محسنة كماً ونوعاً.

 وتأتي أهمية استخدام تقانة الهندسة الوراثية في برامج تربية وتحسين النبات و الحيوان كون ان هذه التقانة الحديثة توفر مزايا عديدة ومهمة ممكن ان تساعد والى جانب الطرق التقليدية للتربية في انتاج نباتات وحيوانات محسنة تساهـم في حل مشكلة الغذاء المتزايدة باستمرار. اضافة الى المساهمة في زيادة وتحسين الغذاء، فان الهندسة الوراثيـة لها دور اساسي وحيوي في تطوير وانتاج انواع جديدة من العقاقير، الوقود الحيوي، الالياف وتحسين البيئة.

    وكما هو الحال مع اي منتج جديد فان المنتجات المهندسة وراثيا تمر بمراحل متعددة من البحث والتطوير قبل ان تكون جاهزة للاستهلاك التجاري. ومن اهم التطبيقات التجارية للهندسة الوراثية او التقانات الحيوية ما يلي:

1.     المحاصيل المهندسة وراثيا: من اكثـر تطبيقـات الهندسة الوراثية في الزراعـة والى الان هندسة المحاصيل. ان الآلاف من هذه المنتجـات تم اختبـارها حقلياً والعديد منها تم اجازته للاستخدام التجاري. ومن اكثر الصفات التي تم نقلها الى المحاصيل الحقلية ما يلي:-

·        مقاومة او تحمل مبيدات الحشائش ( الادغال)  Herbicide Tolerance

مقاومة المبيدات تجعل المحاصيل الغذائية ذات قابلية على تحمل الجرعات القاتلة من هذه المبيدات بحيث تؤثـر او تقضي على الحشائـش الضارة التي تنمـو مع هذه المحاصيل والتي تنافسها في الغذاء و الماء و الضوء مما يؤدي ذلك الى التقليل من انتاجها وتدهور نوعيتها. ومن اهم التطورات في هذا المجال هو انتاج محاصيل مقاومة او متحملة لثلاثة انواع مهمة من هذه المبيدات :البروموكسنيل((Bromoxynilوكلايفوسفيت(glyphosphate) والكلوفوسينيت (glufosinate).

·        مقاومة او تحمل الحشرات insect tolerance

  جميع النباتات المتحملة او المقاومة للاصابـة بالحشرات و المتوفرة تجاريا تحتوي على نوع من مادة التوكسين للبكتيريا (BT) Bacillus thuringiensis و الموجودة في البكتيريا التي تعيش طبيعيـاً في التربة. ان مادة التوكسيـن للBT  كانت فعالة جدا لمقاومة العديد من الحشرات مثل الخنافس ويرقات العث ولكنها وفي نفس الوقت غير سامة للبائن والكائنات الاخرى مما يجعل استخدام هذه النباتات آمن و خالي من الآثار او الاضرار الجانبية.

·        مقاومة او تحمل الفيروسات Virus Tolerance

  ان المحاصيـل المقاومـة تحتوي على جين مأخـوذ من الفيروس حيث تقوم هذه المحاصيل بانتاج بروتينات قادرة على منع الاصابة بهذه الفيروسات والتي اخذ منها هذه البروتينات. هناك اثنين من المحاصيل المتحملة للاصابة بالفيروس و المستعملة  تجاريا وهي البابايا papaya  والقرع squash.

2. منتجات اخرى مهندسة وراثيا:   هناك العديد من المنتجات المهندسة وراثيا لكن القليل منها قد تم طرحه فعلا في الاسواق. من هذه المنتجات هو محصول البندورة الذي تم هندسته ليكون متأخر بالنضج لكي تمتد فترة استهلاكه لمدة اطول اضافة الى تحمله للنقل دون تعرضه للتلف. المنتج الاخر هو  من الجانب الحيواني ويمثل هرمون النمو البقري (BGH) من خلال هندسة نوع من البكتيريا عن طريق نقل جين الهرمون له. ان هـذا المنتج ومن خلال اعطائه للابقار يساعد على زيادة انتاج الحليب.

3. مشاريع البحث الخاصة بالتقانات الحيوية في الزراعة:  ادنـاه اهم الكائنات التي تم  ويتم هندستها وراثياً وما متوفر من منتجاتها في الاسواق وما لم يطرح في الاسواق الى الان:

·        الدواجن و المواشي المهندسة وراثيا:

  • Øحيوانات مهندسة لتخفيض نسبـة الدهون في اللحم : الى الان لم يتم تجارياً انتاج مثل هذه المواشي ولكن وخلال فترة الثمانينات تم اجراء بحوث عديدة لهندسة الخنازير لانتاج لحوم قليلة الدهون ولكن ذلك فشل بسبب الآثار الجانبية التي تمثلت في انخفاض نسبة الخصوبة واضطراب في جهاز المناعة.

  • Øحيوانات مهندسة لاستخدامها كمعامل لانتاج بعض العقاقير: كما هو الحال في الماعز و الاغنام و التي تم هندستها لافراز بعض المـواد في دمها، بولها او حليبها لاستخدام هذه المنتجات كعقاقير. هناك العديد من الشركات العالمية تعمل بهذا الاتجاه ولكن لم يطرح اي من هذه المنتجات في الاسواق الى الان.

  • Øحيوانات مهندسة كمصدر لنقل الأعضاء: عدد من المؤسسـات العلمية تعمل حالياً على هندسة الخنازير بحيث لا يتم رفض اعضاءها في حالة نقلها للانسان.

  • Øحيوانات مهندسة لمقاومة الامراض: يتم هندسة الدجاج والحبش لمقاومة بعض الامراض ولكن لم تطرح في الاسواق الى الان.

  • الاسماك و المحاريات المهندسة وراثيا: تم هندسة الاسماك والمحاريات لاستحداث تغير في الهرمونات التي تسـرع من نموها ولكن لم يطرح اي من المنتجـات في الاسواق الى الان.

  • هندسة النباتات التي تستهلك مباشرة كغذاء: تم هندسة وتسويق العديد من هذه النباتات مثل البندورة، القرع، الذرة وفول الصويا. العديد منها تم هندسته لاحد الصفات الثلاث التالية:وهي مقاومة الفيروسات،مقاومة الحشرات ومقاومة المبيدات.

  • هندسة نباتات الالياف كالقطن والذي تم تسويقه بنجاح.

  • هندسة الحشرات المستخدمة ضمن الانظمة الزراعية: كما هـو الحال في العث المفترس المستخدم في المكافحـة المتكاملة . كذلك نحل العسل وحشرات اخرى تم هندستها لتحمل بعض المبيدات الحشرية و المرضية.

  • هندسة بعض الكائنات الدقيقة لاستخدامهـا كمبيدات حشرية ومرضية: حيث تم هندسة واستعمال العديد من البكتيريا لزيادة قابليتهـا على قتل او صـد الآفـات الزراعية حيث تستعمل هذه المنتجات حالياً كمبيدات في الحقول الزراعية والحدائق.

  • بعض الانجازات في تصنيع الاغذية باستخـدام البكتيريا المهندسة وراثيا: حيث تم هندسة البكتيريا لانتاج انزيـم الرنيت المستخـدم في صناعة الجبن و المنتشر استخدامه في صناعة الاجبان في الولايات المتحدة الامريكية.

  • بعض العقاقير المصنعة من البكتيريا المهندسة وراثيا : كما هو الحال في هرمون النمو البقري( BGH) والمصنع من البكتيريا المهندسة و المستخدم لتحفيز انتاج الحليب في الابقار و الذي ينتشر استخدامه عالمياً.

د. رعد محمود سليمان