بين النمط الزراعي و تنظيم الانتاج

 

لقد وجد الانسان على هذه الارض وحيث كان الاستيطان و الاستقرار فيها، تعطيه مما اودع الله فيها من الخيرات و يعطيها من ذاته جهدا و بذلا ويعمرها ويقدم ما يستطيع للمحافظة عليها و الدفاع عنها باعتبارها وطناً مستراحاً له ومصدراً ابديا خالدا لامنه و عيشه عندها كان الانسان

 و الزراعة في عمل متناسق ومتوافق ولعل الزراعة اول عمل انساني يمارس على وجه هذه البسيطة. وفي حدود القدرات و الخبرات المتوافرة للانسان مستفيدا من التجارب و الممارسات ومن تتابع الفصول و اختلاف المناخات.

واذا كان الاردن جزءا من هذه الارض واذا كان الانسان الاردني و بارادة الله مستخلفا عليها فقد نشأت قصة الحياة منذ ابعد الازمنة وعبر مسيرات طوال من الصراعات و المعاناة و الكد و الجد استطاع من خلالها هذا الانسان ان يستنبت الارض و يستخرج منها مقومات الحياة ويواصل كفاحه ودأبه في فلاحة الارض و استصلاحها واعمارها مستفيدا من كل موقع تدب منه الحياة عليها ومن كل نقطة مطر تنزل مباركة من السماء ومن كل ينبوع ونهر.

وان الذين عمروا الاردن منذ ابعد الازمنة كانوا يؤمنون بعمق الانتماء اليه وفاءاً و اخلاصاً و انتماءاً وما اضاعوا وقتاً ولا صرفوا جهدا الا في سبيل ان يكون الاردن وطن خير وعزة وواحة امن ورفاه املهم وطموحهم ان ما يكدحون له ويبذلون من اجله هو الذي يعطيهم معنى الاستقلال المعيشي و الاكتفاء الذاتي مثلما يشكل لهم مصدر رزق حياتي مستديم يجعلهم اعزة في حياتهم و قادرين على ان يواصلوا رحلة الحياة وهم اشد اعتمادا على انفسهم ولذلك توافرت خيرات الارض وكثر الزرع ومن منا لا يعلم اننا كنا ننتج القمح والشعير وغيرها بما يحقق حاجاتنا الاستهلاكية ونصدرما يفيض عنها الى الدول المجاورة لنا ومن منا لم يسمع عن طواحين السكر في باب الذراع ( الغور الجنوبي) حيث كان يزرع قصب السكر و الشمندر.  

وعبر هذا التاريخ الكفاحي من حياة المزارع الاردني فقد كان اعتماده على قدراته وتجاربه و خبراته مستفيدا من المشاهدات و النماذج التي تقع عليها عينية فيما حوله من اساليب ووسائل جديدة ومفيدة و اذا كان المزارع الاردني قد وصل الى ما وصل بجهده ومبادراته و انفتاحه على العالم من جهة و بالتوعية و الارشاد الذي تقدمه له وزراة الزراعة من جهة اخرى فانه و في و في الوقت نفسه يتطلع بلهفة وشوق وامل لان يلمس و يشاهد ويتحسس مجهود هذه الوزارة معه في الميدان بكل قدراتها وخبراتها و كوادرها لا في الارشاد التقليدي من خلال المكاتب وبعض الجولات الميدانية ولا من خلال ندوات او نشرات او لقاءات اعلامية بل من خلال اجراءات ميدانية عملية وسياسات واضحة ومحددة المعالم وقابلة للتطبيق فما الزراعة الا الحقل الميداني الغني بالتجارب و المهارات و القدرات و الطاقات الكامنة التي هي بحاجة لاستنهاضها وتفعيل دورها وتنشيطه لياخذ مداه و لايمكن لهذه الوزارة ان يكون دورها مكتبياً و رسمياً من خلال كتب صادرة وواردة ونشرات و ملصقات فهي مؤسسة وطنية كباقي المؤسسات ، اقتصادية و اجتماعية و انسانية وتنموية بعيدة كل البعد عن النزوة السياسية و الادارية و التكوين الوظيفي الهرمي و ليست مجرد يافطات تعلق على الابواب وعلى مداخل المنشآت و المشاتل انها الوزارة التي تقوم على مبدأ مقدس هو الانسان و الارض الارض المعطاءة و الانسان المستخلف فيها وهي الوزارة التي لا حدود لمسؤولياتها وواجباتها وليست مجرد رقم في التشكيل الوزاري و لا يمكن حصرها داخل روتيني رتيب من الواجبات و التنظيمات بل هي التي تتسع لكل ما من شانه ان يوفر الحياة الكريمة للانسان و لها استراتيجية كبيرة وخطيرة في سبيل صمود و شموخ هذا الوطن العزيز.

اقول هذا ليس للتقليل من الجهود التي تبذلها الوزارة و القائمين عليها فجهودها واضحة واثرها في التنمية ليس من السهل تجاهله لكننا و بمنطق العتب على المحب اولا ولاستفزاز طاقاتها واطلاقها من عنانها ثانيا نأمل بما هو اكثر حباً في هذا الوطن و غيرة عليه اقول هذا ايضا و انا اعتقد ان وزارة الزراعة هي المؤسسة الام وهي الاطار الذي يجمع الاقراض و التسويق و التعاون و الري و البحث و الارشاد فاذا كان المزارعون في السابق يشكون ويطلبون تطبيق النمط الزراعي باعتباره من اهم الوسائل التي يمكن للحكومة ان تنظم الانتاج على اساسه في وقت كانت الظروف تسمح بتدخل مباشر للحكومة بذلك فما هي البدائل المطروحة عنه الان في ظل تغيير الدور الحكومي ليصبح دورا توجيهيا وعلى ضوء التغيرات العالمية و انفتاح السوق و ما هي الاجراءات التي اتخذت بهذا الخصوص وما هي الاليات التي اتبعت للقيام بمثل هذا العمل لكي يكون صحيحا و كما هو منشود.

نريد اطارا تنظيمياً للعملية الانتاجية ياخذ بالاعتبار الواقع الحالي و المستجدات المحلية و العالمية وبحيث يعطي اشارات واضحة عن المنافذ التسويقية الداخلية و الخارجية كماً ونوعاً من جهة وكذلك يعطي معايير و شروط ومواصفات واضحة للمنتجات لتكون على درجة عالية من التنافسية و ليس من المعقولية بمكان ان نستحضر تجاربنا التقليدية السابقة في التنظيم لتكون جاهزة للتطبيق الان و ليس من العدل ايضا بمكان ان نصدر الاحكام المسبقة سواءا كانت من المزراعين اومن الجهات الرسمية عن عدم امكانية تطبيق مثل هذه البرامج من خلال اسقاطات سابقة لبرامج سابقة مع تقديرنا لتلك البرامج فلكل قرار او مشروع او برنامج ظروفه ومعطياته في حينه.

نريد اطاراً تنظيمياً مبنياً على دراسة حقيقية وحديثة تاخذ بعين الاعتبار الامكانات الموردية المتاحة لدينا وكذلك الاطار الزمني الشمولي لعمليتي الانتاج و التسويق معا هدفنا الرئيسي في ذلك انتاج ما يمكن تسويقه على المدى القصير وكذلك العمل على زيادة الافاق المستقبلية التنافسية بحيث يتم تسويق ما يمكن انتاجه على المدى الطويل وهذا لن يتاتى الا من خلال دراسة مستفيضة معتمدة على بيانات رقمية لكميات الاستهلاك وامكانات التصدير و التصنيع و التخزين و لفترة زمنية خلت تراعي حالات النمو و التراجع لهذه الانشطة بحيث يتم احتساب معدلات  يتم على اثرها حصر الكميات الممكن انتاجها لتعطي هذا المجموع لكل سلعة ومحصول مراعين في ذلك الاعتبارات الخاصة بطبيعة القطاع الزراعي البيولوجية و المتعلقة بالظروف المناخية و الاهم من ذلك كله الميزة النسبية لانتاج تلك المحاصيل في الاردن وبعد ذلك وعلى ضوء تحديد المساحات المطلوب زراعتها من كل منتج زراعي مؤكدا بهذا الصدد ان الجميع البيانات المطلوبة و الورادة اعلاه هي متوفرة لدى المؤسسات و الدوائر.

وبعد فاذا كان المزارعون يطالبون بضمان تسويق الكميات المنتجة من قبلهم كشرط لضمان جدية الجهات الرسمية من جهة و الجهات الرسمية ليست مستعدة للقبول بهذا الاشتراط من جهة اخرى ومع قناعتي بعدم موضوعية الاشتراط من قبل المزراعين وعدم واقعية و امكانية قبوله الا انني اقول ان توجيه الانتاج المبني على تقدير حقيقي وواقعي للكميات الممكن تسويقها سيحقق باذن الله نتائج ايجابية للمزارعين وينفس الوقت تكون الجهات الرسمية قد ادت ما عليها وساهمت في دعم هذا المزراع ليكون لبنة اقتصادية صالحة في بناء الوطن الغالي.

 د.راضي عبدالمجيد الطراونة

وزارة التخطيط